إياد شاهين المولود في «عين فيت» في الجولان السوريّ عام النكسة، هو طبيب الأسنان، الذي حينَ سُئلَ عما يجمعُ طبّ الأسنان بالشعر، قال: «أنا طبيب أسنان، يعني أنني على تماس يوميّ مع أمرينِ في منتهى القسوة: الألم، والفقر!».
*****************
وارسم
وارسمِ الوردةَ أجملَ منها
أهذه كل النجومْ
والمسافاتُ التي بين النجومْ
لماذا ليس فيها نجومْ؟
الشمعةُ التي أنهيتَ رسمَ دموعِها
على ضوءِ شمعةٍ أقصرَ منها
أينَ آثارُ الأظافرِ والأسنانِ عليها
هناك بينَ العشبِ لماذا أنقصت عشبة
وارسمْ خيطَ لعابِ الذئبِ في العتمهْ
لن يراهُ أحدْ
ارسمهُ بحيثُ لا تراهُ أنتَ أيضاً
الجبلْ...
مرةً أخرى أينَ القِدرُ الأسودُ
الذي تركناهُ في الكهفْ
هيا ارفعِ الوحلَ
أكثرَ إلى عقدِ المرأهْ
كي تنزلَ كفيها عن الحلمتين
لا تضعْ قرميداً على السطحِ
وإذا كنتَ تعرف أنْ ترسمَ شمساً
فاتركها تغيبُ وراءَ الجدارِ
الذي أخفيتَ بهِ النافذهْ
إنه يقهقهُ خلفَ الزجاجهْ
ألم ترَ أن ضرسَهُ تؤلمهْ
ألمْ ترسمْ حريقاً في حياتِكْ
لونُ الحريقِ أسود
وليس برتقالياً
أهكذا يُرسمُ الغبارْ
ألم يتركِ الليلُ آثاراً على الثلجِ الخائفْ
إنها قطعةً منْ مزهريهْ
لا ما تبقى من الخابيهْ
لأنها لا تشبه الوجنهْ
بل الخاتَمْ
وارسمْ عودَ ثقابٍ مبللاً
وثقباً في جناحِ النسرِ
كي تنظرَ السماءُ منهُ
ضعِ اللثامَ على وجهِ الضحيّهْ
لا على وجهِ القاتلْ
لماذا تريدُ أن ننتهي منْ رسمِ اللوحهْ
هلْ تريدُ أنْ تمزّقها
أم تُعطيَها لأحدٍ تحولُ ألوانها بنظراتِهْ
أَنزلها كلّ صباحٍ
عن الجدارِ الذي رسمَته لها
زدْ غيمةً هنا
امحُ مخلبها هناكْ
وامسحْ جزءاً من المقبرةِ
باللونِ الأزرقْ
ضمّدْ جناحَ العصفور وساق الغيمهْ
ربما تراهما في الصباح التالي
يحلقان عالياً في السماءْ
ارسمْ.. وارسمْ
ولا تتركْ أحداً تحتَ الإطارْ
*****************
أنواع السفن
سفنٌ تتمرى
تتعرى للبحر الراكع بينَ يديها
سفنٌ تتقرّى وجهَ الريحْ
تحكي للقاعِ
عنِ القاعِ القابعِ في الأعلى
تحكي عنْ وحل بينَ سمائين
وتبكي دلفينَ الحُب
وتبكي مطراً في الملحِ
وأحلاماً غرقتْ في الصحراءْ
سفنٌ غرقى كالماءْ
تطفو... يصدِمها الميناءْ
ملّها الكنز الدميمْ
ملّها ظلُّها
منْ لها الآن
غير رملٍ قديمْ
سفنٌ كالموجهْ
تلهو بالريحِ وبالصخرهْ
سفنُ تحت ظلالِ المالْ
موجاً لا يعرف معنى الحفرهْ
سفينةٌ حمّلتْ شاطئاً
ودارتْ تسألُ الماء عنهُ
وتسألُ غيماً يشبهُ النورسَ
تسألُ البرقَ طعنَتَهُ الخاطفهْ
تسألُ الغبارَ في قبوِها
والجبلَ الجليديَّ الرجيمْ
وتسأل العاصفهْ
سفنٌ منْ ورقْ
ما لهُ النهرُ
بضفّةٍ واحدةٍ مستديرهْ
ملساءَ ملساءَ
كبسمةِ الطفلِ
الذي يلهو بما صنعت يداهْ
من صفحةِ النحوِ الأخيرهْ
سفنٌ صغيره
ولا ماءَ إلّا على وجنتينْ
خلفَ واجهةٍ زجاجيهْ
مالحٌ أيضاً
والزجاجْ
رمل كالشواطئْ
يبدو أنها سفنٌ مرافئْ
سفنٌ في آخرِ العمرِ
كما كانَ يمكنُ أنْ تكونْ
خشباً للمدافئْ
سفنٌ حديديهْ
الأرضُ تطفو
والسماءْ
تغرقُ في السماءْ
سفنٌ كي نعودْ
سفنٌ كي نموتْ
سفنٌ لا تعرف الفرقَ
بينَ المدى والمياهْ
سفنٌ أورقتْ
سفنٌ أرّقتْ ريحها ونامتْ
سفنٌ حاولَتْ أنْ تجففَ بالشراعِ مياهَها
سفنٌ بلا جدوى كي تثقبَ الماءْ
*****************
هكذا
هكذا أحبَبْتكِ
كتمثالٍ ينزف في ساحة المدينهْ
كالجراحِ المرسومةِ على الغيومْ
كسيفٍ ينزفُ في متحفْ
هكذا أحببنكِ
العالمُ المأجورُ مختبئٌ خلفَ الستارهْ
وأنا أبحثُ عنْ يومٍ قديمٍ
ضائعٍ بين الأمنياتْ
كخاتمِ الأميرهْ
كمطرِ المقابرْ
ومثلما يبزغُ برعمٌ
تنهضينَ من نومي
عاريةً كطعنهْ
*****************
هيَ
هيَ للذي سلّمها للأساورْ
رمى الدمعَ بالبردِ الملونِ واشتهاها
هيَ للذي مرَّ منها
عدّها صدفةً
عدّها بين المشاويرْ
هي للذي
عدّها لليلةً
سَلّماً
هيَ للذي يملؤها وينكؤها وينساها
هي للذي باعَ الحقيقةَ واشتراها
هيَ للذي عدّها ودَعاها
ليستْ لنا
ليستْ سوى ضلعِنا في الوحلِ
ليستْ لنا
لمْ نَدْعُها قمراً
ولمْ نذرف مراياها
نحنُ موتاها ومأواها
ماؤها الكليُّ
سُؤلاها
لمْ نُعطها قَدَراً
ولمْ نصنعْ خطاياها
ليستْ لنا
هيَ للذي مرَّ منها ورماها
*****************
الجنود دائماً
عادَ الجنودُ إلى المساءْ
كتبوا رسائِلهَمْ إلى طرفِ السريرْ
خانوا أراملهمْ
بالوا على دمهمْ
ثم عادوا سالمينْ إلى المقابر
عادَ الجنودُ...
عادوا إلى الموتِ القديمْ
الوحلُ أزرقُ
والسماءْ
مضمدةٌ بالغيومْ
والأفقُ يلمعُ كالسوادْ
مطراً وغابهْ
حاولوا أنْ ينهضوا
غيرَ أنَّ الأرضَ
حطّتْ على دَمِهِمْ قليلاً
ثم طارتْ كالذبابهْ
*****************
لا وقت
لا وقتَ غيركِ
أتركُ رايةَ القتلى على القتلى
أهتمٌّ بالرّفِّ الجديدِ على الجدارْ
لا وقتَ غيركِ
سوفَ أسعلُ ثمَّ أسألُ عنْ تجاعيدِ السريرْ
أينَ خبّأتِ الهواءْ
أينَ خبّأتِ المساءْ
أنامُ حتى ألتقي بوسادتي
بصوتِ شعركِ في الظلامْ
بطحلبِ الكلامْ
*****************
كنا
الوقتُ غيبٌ والشوارعُ لا تسيرْ
جَلَستْ على صمتِ الغدِ امرأةٌ
فلمْ نجد البداية والغروبْ
أرجعينا يا غيومُ إلى الشمالْ
لمْ نكنْ أملاً لصوتٍ
أو مكاناً للحنين
بُقعاً على هذا السراب
كنا بلاداً تتقنُ الأسرى والنوافذْ
سامحينا يا عتيقةُ
فالدمُ كالشوارعْ
لم نكنْ نعرفُ الفرقَ بينَ المغني والربابةِ
والقتيلهْ
لم نكنْ
نعرفْ الأسماءْ
لم نجد
مفرداً للشَّعرِ
كل شيء كان ليلى
تمضغُ الصحراءْ
ترتدي فيءَ السحابةِ
ثم تجري كالجواري
*****************
نحن
قطاراتُ الشمالِ ينساها الشمالْ
تذكّرتْنا نجمةٌ تموتْ
غيمةٌ في الرمالْ
في آخر الحزنِ
وسدّتَنْا جِسْمَها موجةٌ
وغطّانا المحالْ
كنّا هنا
قُربَ هذا القَرَنْفُلِ
مَقْبرةً أو سؤالْ
كنّا هنا
توابيتَ أحلامِنا
يُصدقّنا ليلنا
ويتركُنا ظِلّنا
شارِعاً في الخَيالْ
*****************
النهر
استيقظَ النهرُ فَلَمْ يَجِدْ ضَفّتيهْ
ولمْ يجدْ غرقى لديهْ
ولم يجدْ ورقَ السفينهْ
كانَ حُلماً إذاً
وتابعَ الشارعُ اسفلتهُ في غبارِ المدينهْ
*****************
زلّت قدم الضفة؛
سقط النهر
*****************
أحبّك
مرّت خَيولٌ وعبّتْ
منَ النهرِ وجهَ القمرْ
*****************
لا يوجد أجمل منكِ
غيركِ في الذاكرهْ
*****************
هبَّ الزمانُ
على الشموعْ
*****************
من يريد أن يصبح مركزاً
لن يعرف شيئاَ عن المحيط
*****************
الذي أطفأ الشموع ليس الهواء بل الكهرباء
*****************
يقول السراب:
أنا أيضاً كنتُ أظنُّ
أنني سأبلل الرمال والهواء
*****************
يقول الصوت: لن أدخل هذا المكان
حتى يخرج الصمت منه
*****************
شهداؤنا همْ كلّ ما جمعَ
الخليفةُ
مِنْ غنائمْ
*****************
ما تزالُ المسافةُ بينَ
الضّفتين بعرضِ النهرِ تماماً
*****************
وصف الحادث
انتهتْ طُرُقَاتي
عظمةً في ترابكْ
انتهتْ طَرَقاتي
صِرتُ مِقبضَ بابكْ
غيرتّني عودةُ الموجِ
وطميُ سرابك
*****************
آخرُ ما توقّعَهُ الشارعُ
هو أن تصدِمَه الحافلهْ
*****************
الخرابة
نافذةٌ وبابْ
متقبلانِ بلا ستائرَ أو ثيابْ
لولاهما سقطَ الجدارُ على الجدارْ
في هذا الغيابْ
نافذةٌ وبابْ
متقابلان
إذا مرّتِ الريح منها
دَنا منْ ظلّه المثقوبِ
إذا مرّاِ الريحُ منهُ
ارتمتْ
وذابْ
نافذةٌ وبابْ
وتزدادُ الخطى إذا اقترب الغيابْ
*****************
موت ليلى مراد
صَمَتَ سعالُها إلى الأبدْ
لم يعدْ ثمةَ أسرارْ
أو رجال يحتفظونَ بقبلٍ قديمهْ
لم يعد ثمة كلمات تشبهُ الحبَّ
لم يعدْ للثيابِ صوتُ الالتفاتهْ
أو مخيلةُ الماءْ
لم يعدْ للزائر الممدِد على الدّرجاتْ
طعمُ منتصفِ الليلْ
أو رائحةُ الأساورْ
سيارةٌ مسرعةٌ
يسقطُ بَعدها ضوءٌ من النافذهْ
مطر مترددٌ على شارعِ البحيرهْ
قمرٌ في المستنقعْ
لم يعدْ يرى صورتهُ في السماءْ
*****************
صفحته الشخصية على فيس بوك:
https://www.facebook.com/Eyadshaheen67/
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق